خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 3 من جمادى الأولى 1442هـ - الموافق 18 / 12 /2020م
تَعْزِيزُ الْمُرَاقَبَةِ الذَّاتِيَّةِ لَدَى الأَوْلَادِ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران 102]. أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:
فِي زَمَنٍ كَثُرَتْ فِيهِ الْمُغْرِيَاتُ، وَازْدَادَتْ فِيهِ سُبُلُ الِانْحِرَافِ وَالْمُنْزَلَقَاتِ، وَفِي عَصْرِ الْأَجْهِزَةِ الذَّكِيَّةِ وَالْإِنْتَـرْنِتِ وَالْفَضَائِيَّاتِ، وَبَاتَتْ نَوَازِعُ الشَّرِّ وَالِانْفِلَاتِ تَتَقَاذَفُ فِلْذَاتِ أَكْبَادِنَا: أَصْبَحَ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَكْثَرَ مِنْ ذِي قَبْلُ: تَعْزِيزُ الْمُرَاقِبَةِ الذَّاتِيَّةِ لَدَى الأَوْلَادِ وَتَرْسِيخُهَا، وَاتِّبَاعُ أَمْثَلِ الْأَدَوَاتِ وَالسُّبُلِ لِغَرْسِهَا لَدَيْهِمْ وَتَنْمِيَتِهَا؛ حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِنْ مُوَاجَهَةِ الطُّوفَانِ التِّقْنِيِّ الَّذِي فَتَحَ أَبْوَابَ الشَّرِّ عَلَى مَصَارِيعِهَا، وَلِبِنَاءِ مَنْظُومَةٍ قِيمِيَّةٍ تُقَوِّي يَقِينَهُمْ بِنَظَرِ رَبِّهِمْ إِلَيْهِمْ ؛ لِيَسْتَغْنُوا بِهَا عَنْ رَقَابَةِ الْبَشَرِ عَلَيْهِمْ، وَبَاتَ الصَّبْرُ عَلَى ذَلِكَ حَتْمًا لَازِمًا إِذَا أَرَدْنَا الْقِيَامَ بِمَسْؤُولِيَّاتِنَا تُجَاهَ الْأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ، وَانْتِشَالَهُمْ مِنْ أَوْحَالِ هَذِهِ الْأَدْوَاءِ؛ فَتَعْزِيزُ مُرَاقَبَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي نُفُوسِهِمْ هِيَ الْحِصْنُ الْحَصِينُ لِمُوَاجَهَةِ الْمُغْرِيَاتِ كَافَّةً، وَالْمَلَاذُ الْآمِنُ لِتَجَاوُزِهَا، وَالْمُعْتَصَمُ لِمُجَابَهَةِ نَوَازِعِ النَّفْسِ وَكَبْحِ شَهَوَاتِهَا، وَالْأَمَلُ- بَعْدَ اللهِ تَعَالَى- فِي مُقَاوَمَةِ وَسَائِلِ الشَّيْطَانِ وَأَعْوَانِهِ وَمَخَالِبِهِ.
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ أَرْشَدَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى تَعْزِيزِ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ[ [إبراهيم:24-25]، إِنَّهَا شَجَرَةُ الْإِيمَانِ وَالإِيقَانِ وَجُذُورُهَا، وَمَتَى مَا تَأَصَّلَتْ تِلْكَ الْجُذُورُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ: اسْتَطَابَ ثَمَرُهَا وَاسْتَدَامَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، نَقِيَّ النَّفْسِ صَافِيَ الْجَنَانِ، مُسْتَعِدًّا لِقَبُولِ الْإِيمَانِ؛ وَلِذَلِكَ أَرْشَدَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاسْتِثْمَارِ هَذِهِ الْفَتْرَةِ الْمَصِيرِيَّةِ قَائِلًا: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا وَيُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَكُلُّ وَالِدٍ حَرَيصٍ وَوَالِدَةٍ حَنُونٍ، وَكُلُّ مُعَلِّمٍ حَصِيفٍ وَمُرَبٍّ لَبِيبٍ: يُدْرِكُ أَهَمِّيَّةَ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، وَيَغْتَنِمُهَا لِتَرْسِيخِ شَجَرَةِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فِي قُلُوبِ طُلَّابِهِ، وَلَا يَزَالُ يَسْقِيهَا وَيَتَعَاهَدُهَا حَتَّى تُثْمِرَ أَيْنَعَ الثَّمَرِ وَأَطْيَبَهُ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
إِنَّ أَعْظَمَ مَا يَجِبُ تَرْسِيخُهُ فِي قُلُوبِ الْأَبْنَاءِ: تَوْحِيدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَتَنْمِيَةُ تَعَلُّقِهِمْ بِهِ سُبْحَانَهُ فِي سَرَّائِهِمْ وَضَرَّائِهِمْ، وَحَضَرِهِمْ وَسَفَرِهِمْ، وَسِرِّهِمْ وَعَلَنِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ مِنْ خِلَالِ الْإِشَادَةِ بِمِنْهَجِ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِ، حَيْثُ بَدَأَ بِالتَّوْحِيدِ ؛ لِكَوْنِهِ حَقَّهُ عَلَى الْعَبِيدِ، ثُمَّ عَرَضَ حُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يُعَزِّزُ مُرَاقَبَةَ اللهِ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ: ]يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ[ [لقمان:16]، فَفِي الْآيَةِ تَلْقِينٌ بِسَعَةِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، وَتَمَامِ خِبْرَتِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ الْمُطَّلِعُ عَلَى الْبَوَاطِنِ وَالْأَسْرَارِ، وَعَلَى خَفَايَا الْقِفَارِ وَالْبِحَارِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنْ أَمْثَلِ الْوَسَائِلِ لِتَحْقِيقِ هَذِهِ الْغَايَةِ النَّبِيلَةِ: رَبْطَ خَوْفِ الْأَبْنَاءِ وَرَجَائِهِم بِاللهِ تَعَالَى لَا بِأَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، ومُدَارَسَتَهُمْ أَسْمَاءَ اللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ؛ لِيُدْرِكُوا مَدَى قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمْ؛ فَهُوَ السَّمِيعُ الَّذِي يَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، وَالْبَصِيرُ الَّذِي يُبْصِرُهُمْ مَهْمَا غَلَّقُوا الْأَبْوَابَ، وَأَطْفَؤُوا الْأَنْوَارَ، وَأَسْدَلُوا السَّتَائِرَ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مَا يُخْفُونَ فِي صُدُورِهِمْ، وَهُوَ الرَّقِيبُ الَّذِي يُلَازِمُهُمْ فِي كُلِّ حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ، ثُمَّ هُوَ الشَّكُورُ الْمُثِيبُ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَشَدِيدُ الْعِقَابِ يُعَذِّبُ مَنْ عَصَاهُ، وَمِنْهَا: تَرْبِيَتُهُمْ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؛ لِأَنَّ مُرَاعَاتَهَا تَزْرَعُ فِي الْقَلْبِ الرَّقَابَةَ الذَّاتِيَّةَ، وَمِنْهَا: عَرْضُ نَمَاذِجِ الْمُرَاقِبِينَ لِرَبِّهِمْ؛ وَمَا أَكْثَرَهَا!، وَمِنْهَا: اخْتِيَارُ الصَّدِيقِ الصَّالِحِ الَّذِي يَكُونُ لَهُ الْأَثَرُ الْإِيجَابِيُّ فِي سُلُوكِهِمْ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:
وَمِنْ أَهَمِّ الْوَسَائِلِ الَّتِي لَهَا الْأَثَرُ الأَعْمَقُ فِي التَّعْزِيزِ: الْقُدْوَةُ الْحَيَّةُ الَّتِي تَتَمَثَّلُ كُلَّ هَذِهِ التَّوْصِيَاتِ السَّالِفَةِ وَاقِعًا فِي حَيَاتِهَا قَبْلَ حَيَاةِ أَطْفَالِهَا ؛ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ نُرَبِّيَ أَيَّ مَفْهُومٍ دُونَ أَنْ نَتَمَثَّلَهُ، يَجِبُ أَنْ يَرَانَا أَطْفَالُنَا وَنَحْنُ نُمَارِسُ الرَّقَابَةَ الذَّاتِيَّةَ، وَيَجِبُ أَنْ يُلَاحِظُوا فِينَا قُوَّةَ تَعَلُّقِنَا بِاللهِ تَعَالَى فِي حَيَاتِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا؛ لِنَكُونَ بِذَلِكَ عَالِمِينَ عَامِلِينَ، وَلِيَكُونَ لَهُ الْأَثَرُ الْمَنْشُودُ فِي التَّرْبِيَةِ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا جَمِيعاً بِالتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ، وَأَنْ يَهَبَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذَرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِمَامُ الْمُرَبِّينَ وَالْمُعَلِّمِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا المُؤْمِنُون: إِنَّ الوَالِدَ التَّقِيَّ العَاقِلَ الَّذِي يَزْرَعُ الْيَوْمَ مُرَاقَبَةَ اللهِ تَعَالَى فِي قُلُوبِ أَوْلَادِهِ؛ فَإِنَّهُ سَيَحْصُدُ غَدًا فِيهِمْ ثَمَرَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، هِيَ -بَعْدَ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى- نَتِيجَةٌ لِجُهْدِهِ وَتَعَبِهِ فِي غَرْسِ الْمُرَاقَبَةِ فِي أَوْلَادِهِ؛ فَمِنْ تِلْكُمُ الثِّمَارِ:
البُعْدُ عَنْ ذُنُوبِ الخَلَوَاتِ، وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى أَوَامِرِ اللهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ المُرَاقِبَ لِرَبِّهِ سَيَسْعَدُ بِاسْتِمْرَارِ التَّيَقُّظِ، وَدَوَامِ الِاسْتِقَامَةِ وَالصَّلَاحِ وَالإِصْلَاحِ؛ تَلَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ]إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا[ [فصلت: 30]، ثُمَ قَالَ: (اسْتَقَامُوا وَاللهِ لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ، وَلَمْ يَرُوغُوا رَوَغَانَ الثَّعَالِبِ). وَمِنْهَا: اسْتِوَاءُ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ وَعَدَمِهِ فِي شُعُورِ الْأَوْلَادِ؛ فَيُحْسِنُونَ أَعْمَالَهُمْ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ يُرَاقِبُونَ مَنْ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ وَلَا غَفْلَةٌ. وَمِنْهَا: مُلَازَمَةُ القَلْبِ مَخَافَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، الَّتِي تُثْمِرُ صَلَاحَ الْحَالِ وَالْمَآلِ. وَمِنْ تِلْكَ الثِّمَارِ: تَنْشِئَةُ جِيلٍ رَبَّانِيٍّ صَالِحٍ؛ جِيلٍ مُرَاقِبٍ لِرَبِّهِ، مُوقِنٍ بأَنَّ اللهَ يَرَاهُ، وَأَنَّهُ -تَعَالَى- خَبِيرٌ بِخَفَايَا صَدْرِهِ، وَأَنَّهُ -تَعَالَى- سَيُحَاسِبُهُ عَلَى مَا قَصَّرَ، وَيَأْجُرُهُ عَلَى مَا أَحْسَنَ، دُونَ أَنْ يَنْتَظِرَ مِنْ أَحَدٍ- سِوَى اللهِ تَعَالَى- جَزَاءً أَوْ شُكُورًا. وَمِنْهَا: أَنَّ عَطَاءَهُ سَيَسْتَمِرُّ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِصَلَاحِ وَلَدِهِ وَدَعَوَاتِهِ.
فَهَنِيئًا لِكُلِّ مُرَبٍّ يُكَافِحُ لِأَدَاءِ أَمَانَةِ تَعْلِيمِ الدِّينِ، وَيُجَاهِدُ لِتَرْسِيخِ مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى فِي نُفُوسِ الْمُتَعَلِّمِينَ، وَلِكُلِّ مُعَلِّمٍ يَسْعَى لِأَدَاءِ أَمَانَتِهِ، وَيَدْأَبُ لِبِنَاءِ جِيلِ التَّمْكِينِ، وَلِكُلِّ وَالِدٍ وَوَالِدَةٍ يَكْدَحَانِ لِتَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِمَا لِيَكُونُوا قُرَّةً لِلْعَيْنِ، وَمِثَالًا فِي الْمُرَاقَبَةِ الذَّاتِيَّةِ الَّتِي تَحْمِلُهُمْ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْتِزَامِ أَوَامِرِ الدِّينِ، وَلِكُلِّ مُرَابِطٍ عَلَى ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ، يُنَاضِلُ لِلْهَدَفِ الْأَسْمَى لِحُصُولِ رِضَى رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا جَمِيعًا لِلْقِيَامِ بِهَذِهِ الْأَمَانَةِ، وَأَصْلِحِ اللَّهُمَّ لَنَا أَوْلَادَنَا، وَهَبْنَا وَإِيَّاهُمْ مُرَاقَبَتَكَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَاجْعَلْهُمْ قُرَّةَ عَيْنٍ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا البَلَاءَ وَالوَبَاءَ، اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اللَّهمَّ آمنا في الأوطَانِ والدُّورِ، وادْفعْ عَنَّا الفِتَنَ والشُّرورَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي طَاعَتِكَ وَرِضَاكَ، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ الْكُوَيْتَ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً بِالعَدْلِ وَالإِيمَانِ، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؛ إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة